الأربعاء، 29 أغسطس 2018

حماية الأديان في مقابل حرية العقيدة وحرية التعبير


يثار كل فترة زمنية جدل حول جريمة أزدراء الأديان مثل الجدل حول إلقاء القبض على الناشط شريف جابر بسبب نشره لفيديوهات وكتابته مقالات عن الإلحاد وتطاوله على الذات الالهية وهي تمثل جريمة إزدراء أديان بينما يدافع عنه البعض بالحماية الدستورية المقررة للحقوق والحريات ومنها حرية التعبير وحرية العقيدة، ولم يكن هذا هو الجدل الأول من نوعه في مصر فتكرر في السنوات الأخيرة عدة مرات، مثل قضية المدون كريم عامر في عام 2006م، واتهامه بالاساءة للاسلام وإهانة رئيس الجمهورية، وكذلك قضية مايكل نبيل عام 2011م التي كانت متعلقة بموقفه من التجنيد ودعوته ضد التجنيد الإجباري وليس فقط كونه لا ديني، وكذلك الجدل حول المتنصر محمد حجازي الذي عاد للإسلام عام 2016م، وحيث يصل بهم الأمر إلى اللجوء الإنساني وترك الشخص موطنه والأقامة في دول أخرى.
حرية العقيدة محمية بالدستور
وجرى العرف الدستوري منذ دستور 23 على أن حرية العقيدة مطلقة ولكن ممارسة حرية العقيدة مقيدة بالعادات المرعية للبلاد المصرية والنظام العام بعناصره الأولية أمن وصحة وسكينة والمصلحة العامة وعناصرها استقرار وعدالة وتقدم اجتماعي بمعنى أن كون العقيدة كامنة في الصدر والتصريح بها لا يستفز الأخرين ولا يمس مشاعرهم الدينية ولا يثير الخواطر فيخضع بالتالي إلى حماية الدستور، لكن الممارسة لشعائر العقيدة ولأفكار حرية التعبير وحرية العقيدة إذا كانت بتمس الآخر وتمثل اعتداء عليه وتصل لأزدراء الأديان فهذه الحرية تمثل اعتداء على حريات الأخرين، وإذا كانت تسخر من المعتقدات الدينية فهي تعتدي على المجتمع ككله وتمس النظام العام للدولة.
ويقع على الدولة مسئولية حماية الأديان من الاعتداء عليها وتدنيس قدسيتها بالنسبة لمعتنقيها وحمايتها من التطاول عليها والسخرية منها فحماية الأديان تمثل حماية للنظام العام، وإذا تجاوز صاحب الرأي واساء استخدام حقه في حرية التعبير بما يصل إلى الاخلال بالنظام العام تتدخل الدولة، لذا تدخل المشرعين في عديد من الدول وعلى مر التاريخ بسن قوانين تجرم اساءة استعمال الحرية في التعبير أذا مثلت تعدي أو أعتدت على حرية الاخرين ومعتقادتهم، وجرمت التعدي على الأديان وازدراء الأديان.
وتكررت عملية نشر مصنفات فنية مختلفة من أدب وشعر ورسم كاركتير وغيرها من وسائل التعبير تتضمن اعتداء على الذات الالهية وعلى الأديان والتى تغضب المؤمنين بها بما يمثل ذلك اعتداء على النظام العام، وتعددت القضايا حول هذا الموضوع مثل قضية مجلة إبداع وقصيدة شرفة ليلى مراد، وقضية كتاب وليمة لأعشاب البحر التى أدى نشرها إلى مظاهرات في جامعة الأزهر، وقضايا متعلقة بروايات مثل أولاد حارتنا وعزازيل وغير ذلك، فكان للقضاء القرار في مدى كونها تمثل إعتداء على الأديان أم لا وانتصر لحرية التعبير أحيانا وتحيز للنظام العام أحيانا فينظر كل حالة بمنظورها الخاص.
القيود على حرية التعبير
وهناك خلط في المفاهيم فحق النقد مختلف تماما عن التطاول والازدراء، وحقوق الأقليات وحقوق الأغلبية وأي حرية منصوص عليها في الإتفاقيات الدولية والدستور بيشملها حد إحترام الآخر وإحترام حرياته وحقوقه وعدم التعدي عليها،وهناك قيد اساسي وهو الحفاظ على النظام العام، والسخرية ليست من النقد بأي حال لأنها تستهزيء من الآخر ومعتقادته وهدفها الأساسي هي الأستفزاز وإثارة المشاعر مما يؤدي لعدم الاستقرار.
وهناك من يستخدم مثال الدعاء داخل المساجد الذي يقصر الدعاء للمسلمين فقط دون غيرهم ويصفه كنوع من التحريض أو الازدراء ولكن هذا المثال لا يعتد به لأن الدعاء داخل مساجد للمسلمين والخطبة موجهة للمسلمين من الناحية القانونية، ولكن من الناحية الدينية ومن وجهة نظر إسلامية الإسلام رسالته بعثت للعالمين.
وتناولت الأحكام القضائية في أزمان مختلفة ولدول مختلفة موضوع القيود على حرية العقيدة وحرية التعبير بما يوضح إن مجرد إثارة الخواطر بتناول الأديان والتعدي عليها باللفظ مخالفة للنظام العام.
والنظام العام ليس مصطلح غامض كما يعتقد البعض ولكنه محدد بالأحكام القضائية وبأراء فقهاء القانون وخاصة القانون الإداري حيث إنه يحمل مفهوم الحفاظ على نظام الدولة سواء بالقوانين والتشريعات أو بالتدخل بسلطات الدولة للحفاظ على استقرارها وأمنها والصحة العامة، فلو ترك كل شخص لأقتضاء حقه أو ممارسة حرياته دون تنظيم الدولة لشاعة الفوضى وسادت القوة دون الحق، والنظام العام المصري يدخل فيه حماية الأديان السماوية الثلاث من أي تعدي عليها ولأن الدين من مكونات النظام العام المصري وتراتبت الدساتير المصرية على ذلك وخاطبت المشرع بإن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية، فالدين من أهم المكونات الفطرية للمجتمع المصري وأساس للعادات والتقاليد السائدة فيه ومرجع للأخلاق الإنسانية للأفراد المكونين للمجتمع.
والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية مطبقة في حدود ما ينص عليه التشريعات الداخلية وقوانينها المتعلقة بهذه الاتفاقيات.
وبالتالي من حق الدولة ممارسة سلطانها في الحفاظ على الأمن العام والاستقرار العام حتى لا تسود الفوضى، بأن يقتضي الغاضبين من التعدي على ديانتهم حقهم بأنفسهم، فتحول السلطة التنفيذية إلى القضاء الأمر ليحكم فيه ويقرر بعد بحثه في الأمر وتحققه وتداوله ما يراه للموازنة بين الحريات والقيود المفروضة عليها بما يحقق صالح المجتمع ككل.
المواد القانونية المتعلقة:
مادة 98 من قانون العقوبات
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية
الحريات في الدستور
حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون.
حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
في ال‘لان العالمي لحقوق الإنسان
-  لكل إنسان الحق في حرية التفكير والإعتقاد والديانة، وهذا الحق يتضمن حرية تغيير الديانة والإعتقاد، كما يتضمن الحرية في الجهر بالديانة أو الأعتقاد سواء بصفة فردية أو في جماعة، سواء أكان ذلك في السر أو في العلن وذلك بواسطة التعليم ومزاولة الطقوس والشعائر والمراسم.
- لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير بما يتضمنه ذلك من الحق في ألا يزعج بسبب آرائه، والحق في ان يستقصي ويتلقي وينشر - دون إعتبار للحدود - الأخبار والآراء بأي وسيلة من وسائل التعبير.

الأرناؤوط جالية حكمت مصر

إندمج في مصر العديد من أصول أجنبية والبعض عاد إلى بلده الأصلي وهناك من انخرط في البلد ولا تستطيع تفريقه، وكتاب (الجالية المخفية: فصول من تاريخ الألبان في مصر) يتحدث عن أحد الجاليات في مصر وهم الأرناؤوط أو الألبان، جالية من منطقة ألبانيا حاليًا في أقليم البلقان، الكتاب صادر عن دار الشروق- مصر، بعد أن كان صدر باللغة الألبانية عام 2016م ونُشرت ترجمة لفصل منه بالعربية في المجلة التاريخية المصرية، وهو من تأليف محمد م. الأرناؤوط، أكاديمي كوسوفي- سوري لديه دكتوراه في التاريخ الحديث ودَّرَس في العديد من الجامعات في الأردن وكوسوفو،وذهب إلى القاهرة للبحث حول دور ألبان مصر في النهضة القومية الألبانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بَحَث في أرشيف الصحافة المصرية خلال الفترة الزمنية 1878م- 1914م وتواصل مع ألبان مصر الذين كانوا على قيد الحياة مثل كريم حاجيو وموسى شيخو وعثمان أرناؤوط وغيرهم.
الألبان كنموذج لبناء القومية بعد تفكك الدولة العثمانية
والكتاب يقدم نموذج للقومية الحديثة وإذا كانت القومية تمثل الوعي بالعودة إلى الأسلاف والأصول، فالكتاب يعود إلى بعد زمني أقدم من تفكك الدولة العثمانية وتكوين الدولة القومية للألبان، ويتخطى البعد المكاني للقومية الجغرافية إلى مصر وتأثير الأرناؤوط في قومية أخرى عبر أزمنة تاريخية أقدم من الدولة العثمانية نفسها، وتأثير مصر على الأرناؤوط وعلى تكوين قوميتهم الخاصة بعناصرها المختلفة، فالكتاب يوضح تأثير مصر على الأبجدية الألبانية، وتأثيرها على نزعة الاستقلال، بل استقدام أمير مصري من أصل ألباني ليكون مشروع حاكم الألبان ولكنه يصبح بعد ذلك حاكم مصر، وتناول الألبان كجالية مخفية في مصر حتى بعد اندماجهم، وتوضيح الفارق بين قوميتهم وغيرهم من القوميات والتى حدث التباس في النصوص التاريخية في مصر بينها وبين الجركس، ويتناول اقامة جماعة سياسية أسست كيان سياسي دولة قومية حديثة فالكتاب يقدم نموذج للقومية والإنتماء خارج الحدود الجغرافية  ويعتمد على الإثنية والإنتماء إليها بالميلاد في مكان آخر.
وبتناول تعريف أندرسون للقومية في كتابه الجماعات المتخيلة بأنها (جماعة سياسية متخيلة، حيث يشمل التخيل أن لها حدود وذات سيادة) وتطبيقه على هذا النموذج المقدم في الكتاب الذى يتناول الإنتماء إلى القومية الألبانية وكيف خاض الألبان معارك عسكرية في فرق حربية غير نظامية ولائها لكبيرها القبلي وإنخرطت في جيش مصر النظامي لكون ولائها لمحمد على حاكم مصر وهو من نفس إثنيتها، وكيف كانت الصلة بين الجالية في مصر وبين الوطن القومي لهم في فترات زمنية مختلفة.
ويقدم الكتاب الأدوات التاريخية التى قدمت الجماعة القومية المتخيلة، فيوضح التمايز اللغوي واللغة المطبوعة وصنعها في كتاب والصحف الألبانية وغير ذلك من الأدوات التى قدمت القومية بشكلها الحديث ولم يكتفي بالبعد التاريخي والسلالة الإثنية الواحدة والروابط الدينية وعلاقة الدين في دعم القومية وكيف كان الانتماء الى الطريقة البكتاشية الصوفية وارتباطه بالإنكاشرية في الدولة العثمانية، بل قدم ايضا كيف تم استخدام اللغة الألبانية في إحدى الكنائس في مصر تعبيرا عن عمل تمردي يمثل القومية الألبانية.
الألبان أعلنوا استقلالهم عن الدولة العثمانية 28/11/1912م وكان الأمير فؤاد الأول (ملك مصر فيما بعد) من أقوى المرشحين لعرش ألبانيا فأسرة محمد على التي حكمت مصر هي سلالة ألبانية، ومصير ألبانيا لم يستقر في حدودها الحالية الا عام 1920م، وكانت الإسكندرية مقر لحراك سياسي ضد الحكم الشيوعي في ألبانيا.
وفي مصر كان هناك صعوبة تقابل المؤرخين في تفريق الألبان الروم الأرثوذكس عن اليونانيين بسبب تسجيل أنفسهم كمواطنين يونانيين، فالألبان أغلبهم مسلميين والأقلية روم أرثوذكس وكاثوليك.
وفصول الكتاب تعتمد على الفترات الزمنية فيقدم عناصر القومية الألبانية في مصر كدولة مهجر باستخدام المنهج التاريخي.
من المماليك حتى محمد على:
استخدم المؤلف البعد التاريخي لوجود الأرناؤوط في مصر ووضح الخلط في المصادر التاريخية المكتوبة بين الأرناؤوط وقوميات أخرى مثل الشركس وغيرهم.
ففي مرحلة المماليك: يبرز يوسف بن تغري بري وأصله الأرنؤوطي، والسلطان خوشقدم والسلطان تمربغا كمماليك ألبان وصلوا لحكم مصر، معتمدا على نصوص تاريخية مكتوبة.
ومرحلة الحكم العثماني: يوضح وجود عدة (ولاة) من الألبان حكموا مصر منهم سليمان باشا الذي تولى ولاية مصر مرتين، ومحمد باشا دوكاجين صهر السلطان سليم الأول، وسنان باشا، ومراد أرناؤوط، ويشرح انخراط الألبان في الدولة العثمانية وإرتقائهم أعلى المناصب.
واثناء الحملة الفرنسية استعانت الدولة العثمانية في قواتها التي حاربت الحملة الفرنسية على مصر بفرق يغلب على تشكيلها الأرناؤوط وساهموا بشكل كبير في الإنتصارات العثمانية، مما اعطى سمعة جيدة عن المحارب الأرناؤوطي.
ومع وصول محمد على للحكم أتحد جميع الأرناؤوط في صفه لمواجهة المماليك في الجنوب والإنجليز في الشمال، وبعد فترة تخلص من مخاطرهم بالتدريج خصوصا كبار زعماء الأرناؤوط الذين كانوا يتعاملوا معه بندية ويعتبرونه كواحد منهم.
حملات ألبان مصر على الجزيرة العربية:
استجاب محمد على للسلطان العثماني وأرسل حملة إلى الجزيرة العربية لضرب الدولة السعودية، ولكي يتخلص من القوة الألبانية الغير منضبطة استخدمها في حروب خارج مصر على الدولة السعودية والسودان وحرب الدولة العثمانية على اليونان والحملة على بلاد الشام حتى قل عددهم.
دور ألبان مصر في النهضة القومية الألبانية:
تحول الوجود العسكري الألباني إلى مدني بالإنخراط في التجارة ووظائف الدولة، ثم حدث هجرة كثيفة من جنوب ألبانيا إلى مصر بسبب وجود أسرة محمد علي في الحكم.
واشتهرت مصر بوجود كُتَاب النهضة القومية الألبانية فيها مثل ثيمي ميتكو، وسبيرو دينه، ولوني لوغيري، وأسس ألبان مصر روابط وجمعيات تنسق نشاطهم في مجال اللغة والثقافة والسياسة وتمثلهم في العالم الألباني، فقد تأسست رابطة الأخوة عام 1875م ونشاطها القومي الذي دعى إلى ألبنة الكنيسة، وكان أغلب الألبان في الجنوب من الأرثوذكس وكانت لغة الكنيسة وقتها يونانية، فذهب أعضاء الرابطة إلى الكنيسة اليونانية في الزقازيق وأنشدوا باللغة الألبانية مما أدى إلى نزاع مع القنصل اليوناني في القاهرة.
وكتاب النحلة الألبانية للكاتب ثيمي ميتكو والذي كان يدعو إلى حق ألبانيا في أن تكون دولة قومية نُشِر بالاسكندرية، ووضعت لجنة ألبان مصر مذكرة باسم الألبان موجهة إلى القوى الكبرى المنتصرة في الحرب بغرض حماية ألبانيا من المطامع الخارجية وقُدِمت المذكرة إلى سفارات الدول الكبرى في القاهرة، ومع إعلان استقلال ألبانيا انكمشت الصحف الألبانية الصادرة في مصر، ولألبان مصر دور في الاتفاق على أبجدية موحدة للألبان.
سنوات الملك أحمد زوغو في مصر
كان الملك أحمد زوغو يتابع المقاومة ضد الاحتلال الايطالي من لندن في الفترة من 1940م حتى 1945م ويتابع الحرب الاهلية في ألبانيا بعد انسحاب إيطاليا، وجاء ملك ألبانيا السابق إلى مصر عام 1946م، وساعد اللاجئين الألبان حتى ترك مصر في عهد جمال عبد الناصر إلى باريس حيث توفي هناك عام 1961م.
فالكتاب يقدم نموذج للدراسات القومية والتاريخية ويستخدم المنهج التاريخي لإبراز عناصر القومية وتطبيقها على النموذج الألباني، ويبرز دور الجالية الألبانية في مصر في بناء القومية الحديثة للألبان وتواجدها في مصر من فترات تاريخية سابقة عن موجات بناء القوميات بعد الحرب العالمية.