حتى لا تكون طائفية
هل هناك طائفية في مصر ؟
هل الأحداث الأخيرة في مصر تعد أحداث طائفية ؟
هناك العديد من الأسئلة التي يجب الإجابة عليها قبل أن نخوض في الحوار عن الأحداث الأخيرة في مصر وأخرها بمها بالعياط فما هي الطائفية وهل ما يوجد في مصر يعد أحداث طائفية .... في مفهومي عن الطائفية أن يتكون مجتمع معين من طوائف مختلفة متمايزة عن بعضها وقد تكون متآلفة أو متناحرة واهم عنصر في الطوائف هو التمايز والاختلاف فهل ينطبق ذلك علي مصر لا يمكن التمييز في مصر بين أي مجموعة وأخري سواء علي مستوي عنصري من حيث السلالة البشرية أو غيرها
هل الأقباط جماعة اثنيه أقلية في مصر ؟
لا يعد الأقباط في مصر جماعة أثنية مختلفة عن المجتمع بل علي العكس الأقباط لا يمكن تفريقهم أو التمييز بينهم وبين غيرهم من المصريين أي إنهم متجانسين مع المجتمع غير منفصلين ولا توجد لديهم نزعة للانفصال أو مقوماته . ويقول أبو سيف يوسف في كتابه الأقباط والقومية العربية ص 197 يتعين أن نفرق بين ما هو اثني محض وما هو اجتماعي واضعين في الاعتبار أن التفاعل بين المسلمين والأقباط تتحكم فيه عوامل عديدة تتصل في كل مرحلة تاريخية بمستوي تطور المجتمع والنسق الثقافي السائد والتراث التاريخي المشترك ودور الدولة والمناخ الاجتماعي العام والموقف من السياسات الاستعمارية لنصل إلي محصلة عامة وهي إننا في مصر إزاء جماعة اثنيه واحدة تتكلم اللغة نفسها ولها ثقافة عامة مشتركة وتعيش في دولة واحدة وتشكل كيان اجتماعي واحد أي إننا بإزاء شعب واحد ) .
هل الأقباط أقلية دينية ؟
هل الدين مادة مميزة للبشر الدين هو علاقة بين الإنسان وربه فهي علاقة روحية لا يمكن الكشف عنها في المطلق ولكن يمكن الاستدلال عليها بقرائن المظهر الديني الذي يختاره البعض لأنفسهم وقد يختار البعض عدم اتخاذ أي مظهر مميز له يعبر به عن دينه ( الحجاب والصلبان ) مثلا فمن حق الجميع أن يختار ما يميزه دون اعتداء علي حرية الأخر أما من حيث المفاهيم الدينية فالمسلمين اقرب إلي الأقباط الأرثوذكس أغلبية أقباط مصر عن غيرهم من المسيحيين لان أقباط مصر يقولون باله واحد في ثلاثة اقانيم بعكس غيرهم من المسيحيين وذلك من الناحية العقيدية قريب من عقائد التوحيد الإسلامية في التوحيد والإيمان باله واحد
هل هم أقلية ؟ لا يعدوا أقلية لأنهم لا ينعزلون في جيتو خاص بهم ولا توجد قوانين خاصة بهم تعد تمييز ضدهم ولا يختصوا بالمهن الوضيعة ولا مستوى دخولهم اقل بل علي العكس يسود الأقباط في بعض المهن والحرف المميزة فتجد اغلب الصائغين من الأقباط والساعاتيه والأعمال الالكترونية بل يميلون اغلبهم إلي المهن التي تقع علي اعلي السلم الاجتماعي مثل الطب والهندسة والمحاماة أما من حيث الأعداد فلا يكاد يجزم احد أو هيئة برقم صحيح مطلق ثابت بل كل التقديرات متضاربة حتى تقديرات الكنيسة ومعني ذلك انه لا يكاد الجزم بكون الأقباط أقلية عددية وحتى لا يمكن تميزهم عن غيرهم من المصريين فالكل سواء
هل الأحداث الأخيرة تعد طائفية ؟
لا تعد هذه الأحداث سوي عن خلافات تحدث داخل مجتمعات صغيرة متفرقة حول حدث معين أو فعل يثير خلاف فيستغلها البعض لتأجيج المشاعر الدينية التي تنطلق بالعصبية العمياء واستغلال الجهالة والجهلاء من اجل تحقيق مصالح معينة . هل هناك فتنة ؟ لا يستطيع احد إنكار وجود احتقان ديني بسبب حدث معين ولكن لا يرقي هذا الاحتقان إلي كونه فتنة عامة وإنما يقتصر علي حي معين أو قرية معينة في وقت معين فلا يتجاوز الوقت ولا المكان أي انه لا يصل إلي مستوي الفتنة العامة علي مستوي الجمهورية ولا علي استمرار الاحتقان لفترة زمنية طويلة متصلة حدوث انفصال وقتي بين كل حدث وأخر يدل علي عدم الترابط بينهم واختلاف الأسباب المؤدية له أي أن أسبابه غالبا ما تكون أسباب خاصة وليس أسباب عامة لأنها لو كانت أسباب عامة لانتشرت علي مستوي المكان واستمرت علي مستوي الزمان وهذا لم يحدث في مصر
أي أن الأحداث الأخيرة مجرد احتقان ديني بين أبناء منطقة واحدة من أصل عرقي واحد غير متمايزين عن بعضهم أي مجرد خلافات بين أخ وأخيه ولكن في نفس الوقت هناك أسباب عامة هذه الأسباب كامنة وما تحركها هي الأسباب الخاصة وهذه الأسباب موجودة في كل الأحداث
أسباب الاحتقان
في رأيي الشخصي أن أهم أسباب تسارع هذه الأحداث هو مبالغات الإعلام و محاولة أقباط المهجر أن يلعبوا دور مؤثر في أقباط الداخل وعدم حياد الحكومة في علاج الأزمات الصغيرة
ولكن يجب أن أتناول الأسباب ككل وموضحا من خلالها كل علي حدة حتى تتضح الأمور وسوف اقسم الأسباب إلي أسباب تاريخية وقانونية واقتصادية وسياسية وغيرها ثقافية اجتماعية
الأسباب التاريخية
كان الأمر في بداية القرن التاسع عشر واضح بأنه علاقة مودة وحب وإنكار الذات من اجل ابن الوطن فنجد ثورة 19 واتحاد الشعب ضد المستعمر دون أي فكرة عن التمييز بين مسلم ومسيحي بل علي العكس إلي إبراز الاتحاد بينهم ضد المحتل إلي أن وصلنا إلي السبعينات من القرن العشرين حيث أطلق عليه البعض اسم عقد الفتنة الطائفية هنا تداخل الأحداث ويتذكرها الناس وأرجعت الدراسات أسبابها إلي سياسة النظام في وقتها بتغليب التيار الديني ليواجه به التيارات الحداثية وخاصة الاشتراكيين والناصريين وادي هذا التغليب إلي التحويل ضد الأخر ( أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة ) ( دولة العلم والإيمان ) كان هذه المقولات من ابرز أقوال الرئيس الراحل السادات في هذا الوقت وبالرغم من محاولة الرئيس مبارك أن يكون عكس ذلك ( أنا رئيس لكل المصريين ) إلا أن البعد التاريخي لهذه الأحداث والأقوال في السبعينات ما زالت عالقة بأذهان الكثيرين بل عند من لم يعاصرها أكثر لأنه سمعها بصيغ المبالغة وإغفال الأسباب المعاصرة فتصبح بالنسبة له مجرد فتن دينية تشعل غضبه ( الخانكة والزاوية الحمراء ) بل هناك من ينتقي أحداث تاريخية ويفصلها عن سياقها ليشعل الفتن أو يحرف الأحداث التاريخية كان يشوه العلاقة بين المسلمين والأقباط علي مستوي تاريخي منذ دخول الإسلام إلي مصر إلي عصر الولاة والأيوبيين والمماليك ومحمد علي ولكن الدراسات المحايدة أثبتت أن هناك فترات تاريخية كانت هناك عناصر قوة ترابط أكثر من فترات أخري فترات الترابط تكون فترات النهوض والتقدم
أسباب عالمية
تأخذ غالبا صورة اتحاد الأقباط ووضع تصور جاهلي يربط بين أقباط الداخل والدول الاستعمارية علي أساس عدوان صليبي فيكون ولاء أقباط الداخل للدين وعمل تحويل للغضب من الدول الاستعمارية إلي أقباط الداخل لعدم القدرة علي مواجهة الخارج وما يزيد تدعيم رؤية جهلاء الناس لهذا المفهوم أقباط المهجر وأدوارهم في الضغط لتحقيق مصالحهم تحت مسميات حماية أقباط الداخل
وأيضا صعود التيارات الدينية علي مستوي العالم وتزايد أدوارها في المستوي السياسي العالمي ونظريات صراع الحضارات ونهاية التاريخ وإصباغ المصالح السياسية بمفاهيم دينية فمع تزايد الدول الغربية في اتخاذ مواقف مضادة للعالم الإسلامي (من يدينون بالإسلام ) و وصف الإسلام بالإرهاب ومحاربة الإرهاب لتصل المفاهيم إلي إنهم يحاربون الإسلام ولا يحاربون الإرهاب فيما يسمي بعولمة الأصولية الدينية
أسباب سياسية
يسود تصور لدي الكثيرين انه عندما يتولد غضب شعبي تجاه الحكومات تقوم الحكومات بتحويل هذا الغضب إلي عدو خارجي أو أن تقوم بسياسة فرق تسد فتشعل الفتن والخلافات من اجل أن يتحول الغضب لأبناء الدولة بعضهم البعض وتستمر الحكومة كعنصر اتزان بين الأطراف المتصارعة إلا إنها لا تعدوا سوي مجرد تصورات لتطبيق نظريات لا يجد دليل علي حدوثها وإنما يمكن استنتاج ذلك من ادوار الحكومة وأفعالها فعندما يحدث خلاف بسيط بين مسلم ومسيحي يتم تحويل الأمر إلي امن الدولة حتى لا يتفاقم ولكن يتم القبض علي المسلم وترك المسيحي مما يؤدي إلي إعطاء فكرة أن المسيحي مميز لا يمكن أن يتساوي مع المسلم فالمسلم لا يوجد منظمات في المهجر سوف تسعي للضغط علي الحكومة من اجله فيشعر المسلمون بالغضب ضد الحكومة وضد المسيحي لان الحكومة كان ينبغي أن تنظر إلي محل المشكلة دون النظر إلي ديانة كل منهما وحتى لو كان كان ينبغي إما ترك الاثنان أو حبس الاثنان دونما تميز احد علي حساب الأخر بسبب الدين
تقلد الأقباط للمناصب العامة وشعورهم بأنهم لم ينالوا حقوقهم فيها ويرجع هنا إلي كتاب مشاكل الأقباط في مصر ل نبيل لوقا بباوي ويتناول أيضا التمثيل النيابي والوزارات
أسباب قانونية
بدأت تثار عند تعديل الدستور في نهاية السبعينات لكسب تأييد لهذه التعديلات بوضع أن المصدر الرئيسي للتشريع مبادئ الشريعة الإسلامية مما أثار قلق الأقباط ثم مشروع الردة والحسبة التي لم تتم واعتقاد البعض علي أساس خاطئ بأنهم ممكن أن يعاملوا علي أساس الشريعة الإسلامية دون شريعتهم ويتناسون أن القانون قاعدة عامة مجردة لا تمايز فيه لأحد علي أي أساس
ويثار في الناحية القانونية قضية الخط الهمايوني وعلاقته ببناء الكنائس واري انه مجرد مزايدة للضغط من اجل بناء الكنائس لان الخط الهمايوني مجرد قرار أداري سقط باستقلال مصر عن الإمبراطورية العثمانية وأصبح الآن بناء الكنائس بقرارات من المحافظة ولكن الواقع العملي يري أن الأقباط لا يتجهون إلي اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بل يتجهون إلي بناء منزل أو جمعية ثم تحويله إلي كنيسة متبعين سياسة الأمر الواقع مما قد يثير غضب بعض المسلمين من أسلوب آخذهم لحقهم في بناء الكنيسة وليس لبناء الكنيسة نفسه
الأسباب الاقتصادية
تزداد أحداث الاحتقان في الفترات التي لا يكون فيها نمو اقتصادي كاف فيحدث صراع علي مصادر الرزق ويكون هناك حالة غضب عام من الأزمات الاقتصادية المتكررة وقلة فرص العمل وصعوبة الحصول علي مسكن وتكوين أسرة وهنا يتحد الغضب الاقتصادي و الغضب من الطبقات الطفيلية التي صعدت بسرعة نتيجة أعلا الثقافة الاستهلاكية واستغلال ذلك وتحويل هذا الغضب إلي الآخر في المجتمع بالإضافة إلي ضعف دور الدولة التي اقتصر دورها عن الخدمات الاقتصادية ورفعت يدها عن كثير من الخدمات الاجتماعية لتخفف من مصاريفها
أسباب اجتماعية
انتشار قيم الفساد وتحول حماية الأمن والشرطة إلي حماية أصحاب المصالح وحماية ذو السلطة وعدم العدالة في توزيع الدخول وانهيار القيم وسقوط أفكار المواطنة والحوار والتسامح وانتشار العنف لعدم العدالة
الثقافة العامة والإعلام
مع ظهور الفضائيات وتسابقها علي جذب نظر المشاهد بدأت في المبالغة في وصف بعض الأحداث و إذاعة برامج جدلية تثير الجدل وذلك حتى ترفع معدلات مشاهدتها وبالرغم من آثار ذلك الايجابية إلا انه غالبا ما يكون المشاهد البسيط تأثره بالمواقف التعصبية كبير ويندفع وراء عواطفه دون إعمال عقله بل يصل بعض البرامج إلي بث روح الفتن لتثير إعجاب فئة بعينها وذلك لان الإعلام المحايد جمهوره قليل فدعمت ثقافة التعصب وزادتها ونمتها
تصاعد دور التيارات السياسية الدينية مثل الإخوان المسلمين ولعب الكنيسة لادوار سياسية بل واختصار الكنيسة في شخص البابا مما أدي إلي تحول كثير من الأقباط عن العمل السياسي الحزبي لتأخذ السياسة طابع ديني
الحالة الآن وتشخيصها
تبدو الحالة الآن وكأنها علي شقي خلاف فالحكومة لا تعترف بالوضع الحالي والمعارضة تبالغ في الوضع وسوئه وكلاهما علي خطأ فلم يقدم أي من الأطراف أي صورة حيادية لتعترف بالوضع الحالي وخطورته علي مستقبل الدولة ومحاولة البحث عن الأسباب وعلاجها لعدم تكرار حدوث تلك الأحداث وألا يكون مجرد نقاش عندما يوجد حدث والبعد عنه في حالة عدم وجوده
تصور لعلاج الوضع الحالي
أري أن الوضع الحالي لا يخلو من احتقان شعبي يجب مواجهته وعلاجه دون تحيز لطرف علي حساب طرف ودون تدخل من عناصر خارجية لان أقباط المهجر لو كانوا يهتمون بمصر لما تركوها وفروا بينما الباقيين بها هم أبنائها الحقيقيين الذين يسعون لتعديل أوضاعها للأحدث
من يقوم بالعلاج والحل
الدولة متمثلة في الحكومة مؤسسات المجتمع المدني المجتمع ككل رجال الدين
العلاج
نبذ التعصب وإفشاء روح التسامح وإعلاء مفهوم المواطنة
وسائل العلاج
التعليم و الإعلام والخطاب الديني
التعليم
يجب تنقيح التعليم مما يشوبها من أفكار طائفية وقد يقول البعض بان التعليم الأزهري يشكل مثالا للتعليم الديني وان الأقباط لا يتم السماح لهم بالتعليم في الأزهر ولكنهم يتناسوا أن هناك أيضا تعليم ديني مسيحي من خلال الكليات الاكليركية ومدارس تعليم اللاهوت وقد يشير إلي أن مدارس الراهبات التي كانت ذات خلفية تاريخية تبشيرية تسمح بدخول المسلمين لها ولكننا نقول بأنها تقدم تعليم مدني وليس تعليم ديني وفقا للمناهج الحكومية والإشراف الحكومي أما إذا تم السماح للمسيحيين بالدخول في التعليم الأزهري سوف يتم الزعم بأنه نوع من الاستقطاب الإسلامي للمسيحيين
إعادة تدريس مناهج التربية الوطنية متضمنة ثقافة المواطنة ونشر ثقافة التسامح