بُنيت الكنيسة البطرسية
بالعباسية عام 1911م بواسطة عائلة بطرس غالي رئيس نظار مصر فوق ضريحه بمدافن العائلة
، والحادث الأرهابي الأخيرالواقع بالكنيسة يربط تاريخيا بين الحادث وحادث إغتيال بطرس
باشا نيروز غالي رئيس نظار مصر، وحادث
الإغتيال الذى كان ابرز معالم أول موجة من الفتنة الطائفية من عام 1910 وحتى أحداث ثورة 1919م
، كانت مبررات إبراهيم الوردانى للإغتيال تحمل أعتراضات سياسية وطنية ، فيعتبر الحادث
أول حادث إغتيال سياسى في العصر الحديث، أُتخذ علي أثره تأسيس مكتب القلم السياسي،
حيث كشفت التحقيقات وجود تنظيمات سياسية لا تعلم الدولة عنها شئ بالرغم من وجود الاحزاب
، بينما كان هناك رأي إنه لو لم يكن بطرس غالي قبطيا لوقعت الجريمة أيضا مهما كانت
ديانة المعتدى عليه
وكان اغتيال بطرس
باشا نيروز غالي مُسبب لجدل تاريخي حول الفتنة الطائفية والتعصب، لدرجة أن الحركات
السياسية فيما بعده حرصت في محاولت إغتيال يوسف باشا وهبي أن يكون القائم بالاغتيال
يدين بالديانة المسيحية حتى لا يصبغ الإغتيال السياسي بطابع طائفي ، فوقوع الجريمة
علي رئيس وزراء قبطى جعلت فريقا من الأقباط يتصور أن القتل كان لأسباب دينية وبدافع
التعصب الديني لكون المعتدى عليه قبطى، وأتهم الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد بتهييج
الرأي العام علي بطرس غالي ومواقفه من معاهدة 1889 وحادث دنشواي وقانون المطبوعات والنفي
الاداري.4
وقبل حادث الاغتيال
كان هناك إحتقان مكتوم بين الأوساط الحاكمة والطبقة المثقفة ففي كتاب المسألة الشرقية
لمصطفى كامل 1898 شرح أن الاستعمار البريطانى يستخدم مسألة الدين للتدخل في شئون الدولة
العثمانية من أجل حماية الأقليات الدينية وأن الاستعمار استخدم الحيل والوقيعة في ذلك
الشأن ، وتناول أحداث الأرمن وكريد واليونانين في تساليا علي إنها دسائس من الدولة
الانجليزية وليست مزابح طائفية في الدولة العثمانية تركت أثرها في النفوس ، وذكر (
غنى عن البيان أن المسلمين في الدولة العلية متى رأوا فريقا من أخدانهم المسيحيين يعمل
بأوامر الأجنبي عدوه خائنا للوطن العثماني )6
مظاهر الاحتقان الطائفي
وكثرت المزايدات ومحاولات
الوقيعة بين المسلميين والمسيحيين من أقباط مصر، فبينما كان مبرر الاغتيال لبطرس غالي
هو انه قاضي محكمة دنشواي الا أن فتحي زغلول كان عضو في المحكمة وكان بالقرب من بطرس
غالي أثناء محاولة الإغتيال، لدرجة إنه قام باستجواب الوردانى وجعله يوقع علي اعتراف
بجريمته ، وتحولت احداث المحاكمة التى جرت في شهور قليلة إلي لغط مجتمعى كبير تسوده
روح الغضب وتأويل وتغيير الحدث وتفسيره من كل طرف حسب رؤيته، فتعددت الأقاويل حول رفض
مفتى الديار المصرية ( بكري الصدفي ) إبداء رأيه في الحكم بالاعدام علي الوردانى وانتشرت
مقولة أنه رفض إعدامه لأنه لا يجوز أخذ الحد من بسلم بذمى ، واستغل الإستعمار الإنجليزى
الموقف بكل الطرق، ومنها أنه أوحى بمواقفه انه يتخذ جانب طرف معين حتى يشتد غضب الجمهور
عليهم.
وتنوعت مظاهر الفتنة
من منع نشر صورة الوردانى واعتبار الجمهور له بطل قومى وتسميته بغزال البر والتغنى
باسمه في الشوارع.
واتخذت الصحف القبطية
النقل عن الصحف الانجليزية وسيلة لنقل الأراء، وسافر بعض القبط الي انجلترا شاكين مستنجدين،
ودعت الصحف الي ايجاد فرق من الاحتلال تجوب المدن لحماية الاقباط، واغلاق الصحف التى
تحرض علي كراهية الاقباط ،ودعو لان يحكم الانجليز مباشرة لان الخديوى عباس يساند الحركة
الوطنية.
(واستمرت الجماهير تدافع عن الوردانى واعتبروه بطلاً وطنيًا إلا أن
السلطات البريطانية تمكنت من تثبيت أقدامها، فقد نشر القانونان الخاصان بالصحافة والاتفاقات
الجنائية. وعلى إثر نشرهما خطب وزير الخارجية السير إدوارد جراى فى مجلس العموم البريطانى،
مهددًا مصر بحماية الأقليات فيها، وتغيير المعاهدات العتيقة الخاصة بها وزادت الصحافة
الاستعمارية من تحريضاتها.)1
ويقول سعد زغلول في
مذكراته ( وقد فرح المسلمون فرحا عظيما بهذه الحادثة ، واستبشروا بها خيرا ، وتناجوا
باستحسان فعل القاتل، وود الكثير لو يفلت من العقاب ، أما المسيحيون فتأثروا من الحادثة
وخصوصا الانجليز منهم وعلى الأخص الأقباط ، وأظهروا العداوة والبغضاء للمسلمين) ، وتلا
ذلك قضية نجيب بك فهمى وكيل ادارة البضائع في السكة الحديد واتهامه بالرشوة والتى حكم
فيها ببرائته فعده المسلمون خذلانا لهم وعده المسيحيين انتصارا لهم2
احتفال المسيحيين
بالرئيس الامريكى تيودور روزفلت عند زيارته لمصر والسودان بالرغم من غضب الحركة الوطنية
من خطابيه في السودان وفي الجامعة المصرية التى اظهر فيها الميل والانعطاف للمسيحيين
واثنى علي الحكم الانجليزي واشار الي عدم استعداد المصريين للحكم الذاتى بينما أظهر
المسلمين السخط عليه2
المؤتملر القبطى والمؤتمر
المصري
كان المسلمون يسيئون
الظن بالأقباط ويتهمونهم بموالات الانجليز المستعمرين لما يجمع بينهما من رابط المسيحية،
وكان المسيحيين يسيئون الظن بالمسلميين واعتقادهم التربص بهم لان المسيحين الأكثر تعليما
والأكثر دفعا للضرائب بسبب كثرة تجارتهم وشعروا إنهم مظلمون وظهرت دعوات للاعتداد بالنسبة
العددية فظهر المؤتمر القبطى وكان من مطالبه ان تكون الكفأة هي المعيار وليس نسبة العدد
الأقباط بالنسبة للمجتمع ، وكان كثير من المسلميين ينزلون أنفسهم منزلة خاصة من القبطي
وينظرون إليه نظر السيد اإي المولي ، حتى انتهى الامر بالقبط الي أن يضعوا أنفسهم تحت
حماية العائلات الاسلامية الكبيرة في الصعيد.4
وأستمرت الصحف فى
أخذ المواقف والاثارة بين الطرفين حتى الصحف البريطانية
استغلت الصحافة القبطية
الحوادث البسيطة التى كانت تحدث من الجماهير المتعاطفة مع الوردانى، وسيلة لإثارة جماهير
الأقباط، وأخذت جريدة «المقطم» الموالية للإنجليز تنشر الروايات المختلفة والمهيجة
لمشاعر المسيحيين المصريين، وراح «فانوس» يدعو للاحتلال ولحكم كيتشنر وبأنه لا سلامة
للأقباط إلا مع الاحتلال، وعندما قدم المفتى فتواه فى قضية الوردانى، استخدمتها الصحافة
الاستعمارية وسيلة للطعن فى الإسلام وإثارة الأقباط. وقالت «الجازيت» تعليقًا على الفتوى:
«إن الشريعة الإسلامية لا تحسب حياة الوزير المسيحى الأول شيئًا مذكورًا
فى جنب أحقر المسلمين».
ونهجت الصحافة الاستعمارية
الأخرى على غرار الجازيت، فقد مسخت المستند الأصلى الذى ساق فيه المفتى أسباب الرفض،
لتوهم الناس أنه بمقتضى الشريعة الإسلامية لا يمكن الحكم على مسلم قتل مسيحيًا بالموت.
وبعد أن شاعت فى أوروبا تلك الصورة الممسوخة وعملت عملها فى إثارة الحفيظة الدينية
فى إنجلترا أرغم «جراى» على إظهار المستند الأصلى، فظهر أنه مستند عادى اتبعت فيه أوضاع
اصطلاحية.
ومن هذا الجو المشحون
بالكراهية الدينية والإثارة العنصرية، كان لابد وأن يؤدى إلى مواجهة أكبر وأخطر انقسام،
وفعلاً تحول المؤتمر الأصلى للأقباط الذى كان مزمعاً عقده فى ١٩١٠ لبحث مشاكل الطائفة
إلى مؤتمر عنصرى، وتبعه مؤتمر آخر سمى المؤتمر المصرى، وقد تما بتحريض المستعمرين،
وسمى المؤتمر المصري ولم يسمى بالمؤتمر الاسلامى لحرص مصطفى رياض باشا لتأكيد الوحدة
الوطنية1
ومن الأقباط الذين
استطاعوا أن يضعوا الحادث فى حجمه الحقيقى وأن يتصدوا بحكمتهم البالغة وبصيرتهم النافذة
إلى بعض هذه القلة التى أرادت أن تصطاد فى الماء العكر وتحاول إشعال الفتنة الدينية.
ونفى فكرة وجود خلفية دينية أو طائفية وراء عملية الاغتيال أمثال «نصيف المنقبادى»،
و«مرقس حنا»، و«مرقس فهمى».1
ثورة 19 تعالج الفتنة
الوطنية في مصر
وكانت الأحتقان الطائفى
مستمر بمظاهره المختلفة حتى احداث 1919 والوفد المصري وثورة 1919 الذى اخذت شعار الهلال
والصليب كرد على محاولات الانجليز للايقاع بين المسلمين والمسيحين في الاعوام السابقة
وقدم فيها أهل مصر مثالا تاريخيا علي التحالف والوحدة الوطنية
وكان واصف باشا غالى
وزير خارجية مصر فى وزارات الوفد منذ أيام سعد زغلول،وشارك فى ثورة1919 وكان عضوا في
الوفد الذي مثل مصر، وعندما سأله الإنجليز مذهولين: «كيف تنضم لقتلة أبيك؟ فقال: «أفضل
أن انضم لمن قتلوا أبى على أن انضم لمن قتلوا وطنى»1
واستقال مكرم عبيد
من منصبه سكرتير المستشار الإنجليزى لوزارة العدل لينضم للثورة، وعندما اختلف سعد مع
عدلى يكن حول «مشروع ملنر»، ينفض السبعة المسلمون من حول سعد ولا يبقى معه متمسكًا
بالحق الوطنى غير واصف غالى وسينوت حنا بك.1
بناء الكنيسة البطرسية
قامت عائلة بطرس باشا
بالاستعانة بمهندس القصور الملكية المهندس الايطالى انطونيو ليشياك (Antonio Lasciac 1856 - 1946 ) وقام بتصميم الكنيسة وهو احد
ابرز المهندسين المعماريين فى مصر الذى اعتمدت عليه العائلة المالكة فى تشييد قصورها
حيث اصبح فى عام 1907 رئيس مهندسى القصور الملكية وحصل على البكوية، أعمال الفسيفساء
لشركة أنجلوجانيزي من البندقية2
وقام برسم اللوحات
الفنان الإيطالي بنتشيرولي Primo
Babchirolyوأعمال الفسيفساء شركة أنجلوجانيزي في فينسيا ،والزخارف تحت إشراف مرقس باشا
سميكة الذى اسس المتحف القبطى المصري3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – خالد عزب ، صفاء خليفة : الاغتيالات السياسية في مصر( 1910-
1981 )، دار الكتاب العربي ، بيروت- لبنان،سنة 2011م، ص 41 .
2 – سعد زغلول : مذكرات سعد زغلول – الجزء الثالث ، تحقيق عبد العظيم
رمضان ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1990، ص 334، 354،365
3 - محمد علي محمد خليل : المعمار الايطالي في الاسكندرية ، بحث المستوى
الثانى للماجستير 2008 2009
4 – محمد محمد حسين : الاتجاهات الوطنية في الادب المعاصر، الجزء الأول،
مكتبة الاداب مصر ، الطبعة الثالثة، 1980 ،ص 107،115
5 – محمد حسين هيكل : تراجم مصرية وغربية، مؤسسة هنداوى للنشر ،
2014 ، pdf
6 - مطصفى كامل : المسألة الشرقية ، مؤسسة هنداوى للنشر ، 2014 ، pdf، ص 11، 12
الصور ويكيبيديا وغيرها