يثار كل فترة زمنية جدل حول جريمة أزدراء الأديان مثل الجدل حول إلقاء القبض على الناشط شريف جابر
بسبب نشره لفيديوهات وكتابته مقالات عن الإلحاد وتطاوله على الذات الالهية وهي تمثل
جريمة إزدراء أديان بينما يدافع عنه البعض بالحماية الدستورية المقررة للحقوق والحريات
ومنها حرية التعبير وحرية العقيدة، ولم يكن هذا هو الجدل الأول من نوعه في مصر فتكرر
في السنوات الأخيرة عدة مرات، مثل قضية المدون كريم عامر في عام 2006م، واتهامه بالاساءة
للاسلام وإهانة رئيس الجمهورية، وكذلك قضية مايكل نبيل عام 2011م التي كانت متعلقة
بموقفه من التجنيد ودعوته ضد التجنيد الإجباري وليس فقط كونه لا ديني، وكذلك الجدل
حول المتنصر محمد حجازي الذي عاد للإسلام عام 2016م، وحيث يصل بهم الأمر إلى اللجوء الإنساني
وترك الشخص موطنه والأقامة في دول أخرى.
حرية العقيدة
محمية بالدستور
وجرى العرف الدستوري منذ دستور 23 على أن حرية العقيدة مطلقة ولكن ممارسة حرية
العقيدة مقيدة بالعادات المرعية للبلاد المصرية والنظام العام بعناصره الأولية أمن
وصحة وسكينة والمصلحة العامة وعناصرها استقرار وعدالة وتقدم اجتماعي بمعنى أن كون العقيدة
كامنة في الصدر والتصريح بها لا يستفز الأخرين ولا يمس مشاعرهم الدينية ولا يثير الخواطر
فيخضع بالتالي إلى حماية الدستور، لكن الممارسة لشعائر العقيدة ولأفكار حرية التعبير
وحرية العقيدة إذا كانت بتمس الآخر وتمثل اعتداء عليه وتصل لأزدراء الأديان فهذه الحرية
تمثل اعتداء على حريات الأخرين، وإذا كانت تسخر من المعتقدات الدينية فهي تعتدي على
المجتمع ككله وتمس النظام العام للدولة.
ويقع على الدولة مسئولية حماية الأديان من الاعتداء عليها وتدنيس قدسيتها بالنسبة
لمعتنقيها وحمايتها من التطاول عليها والسخرية منها فحماية الأديان تمثل حماية للنظام
العام، وإذا تجاوز صاحب الرأي واساء استخدام حقه في حرية التعبير بما يصل إلى الاخلال
بالنظام العام تتدخل الدولة، لذا تدخل المشرعين في عديد من الدول وعلى مر التاريخ بسن
قوانين تجرم اساءة استعمال الحرية في التعبير أذا مثلت تعدي أو أعتدت على حرية الاخرين
ومعتقادتهم، وجرمت التعدي على الأديان وازدراء الأديان.
وتكررت عملية نشر مصنفات فنية مختلفة من أدب وشعر ورسم كاركتير وغيرها من وسائل
التعبير تتضمن اعتداء على الذات الالهية وعلى الأديان والتى تغضب المؤمنين بها بما
يمثل ذلك اعتداء على النظام العام، وتعددت القضايا حول هذا الموضوع مثل قضية مجلة إبداع
وقصيدة شرفة ليلى مراد، وقضية كتاب وليمة لأعشاب البحر التى أدى نشرها إلى مظاهرات
في جامعة الأزهر، وقضايا متعلقة بروايات مثل أولاد حارتنا وعزازيل وغير ذلك، فكان
للقضاء القرار في مدى كونها تمثل إعتداء على الأديان أم لا وانتصر لحرية التعبير
أحيانا وتحيز للنظام العام أحيانا فينظر كل حالة بمنظورها الخاص.
القيود على حرية
التعبير
وهناك خلط في المفاهيم فحق النقد مختلف تماما عن التطاول والازدراء، وحقوق الأقليات
وحقوق الأغلبية وأي حرية منصوص عليها في الإتفاقيات الدولية والدستور بيشملها حد إحترام
الآخر وإحترام حرياته وحقوقه وعدم التعدي عليها،وهناك قيد اساسي وهو الحفاظ على
النظام العام، والسخرية ليست من النقد بأي حال لأنها تستهزيء من الآخر ومعتقادته وهدفها
الأساسي هي الأستفزاز وإثارة المشاعر مما يؤدي لعدم الاستقرار.
وهناك من يستخدم مثال الدعاء داخل المساجد الذي يقصر الدعاء للمسلمين فقط دون
غيرهم ويصفه كنوع من التحريض أو الازدراء ولكن هذا المثال لا يعتد به لأن الدعاء داخل
مساجد للمسلمين والخطبة موجهة للمسلمين من الناحية القانونية، ولكن من الناحية الدينية
ومن وجهة نظر إسلامية الإسلام رسالته بعثت للعالمين.
وتناولت الأحكام القضائية في أزمان مختلفة ولدول مختلفة موضوع القيود على حرية
العقيدة وحرية التعبير بما يوضح إن مجرد إثارة الخواطر بتناول الأديان والتعدي عليها
باللفظ مخالفة للنظام العام.
والنظام العام ليس مصطلح غامض كما يعتقد البعض ولكنه محدد بالأحكام القضائية
وبأراء فقهاء القانون وخاصة القانون الإداري حيث إنه يحمل مفهوم الحفاظ على نظام الدولة
سواء بالقوانين والتشريعات أو بالتدخل بسلطات الدولة للحفاظ على استقرارها وأمنها والصحة
العامة، فلو ترك كل شخص لأقتضاء حقه أو ممارسة حرياته دون تنظيم الدولة لشاعة الفوضى
وسادت القوة دون الحق، والنظام العام المصري يدخل فيه حماية الأديان السماوية الثلاث
من أي تعدي عليها ولأن الدين من مكونات النظام العام المصري وتراتبت الدساتير المصرية
على ذلك وخاطبت المشرع بإن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ
الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود
المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم
الروحية، فالدين من أهم المكونات الفطرية للمجتمع المصري وأساس للعادات والتقاليد السائدة
فيه ومرجع للأخلاق الإنسانية للأفراد المكونين للمجتمع.
والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية مطبقة في حدود ما ينص عليه
التشريعات الداخلية وقوانينها المتعلقة بهذه الاتفاقيات.
وبالتالي من حق الدولة ممارسة سلطانها في الحفاظ على الأمن العام والاستقرار
العام حتى لا تسود الفوضى، بأن يقتضي الغاضبين من التعدي على ديانتهم حقهم بأنفسهم،
فتحول السلطة التنفيذية إلى القضاء الأمر ليحكم فيه ويقرر بعد بحثه في الأمر وتحققه
وتداوله ما يراه للموازنة بين الحريات والقيود المفروضة عليها بما يحقق صالح المجتمع
ككل.
المواد القانونية
المتعلقة:
مادة 98 من قانون العقوبات
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل
عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة
أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان
السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية
الحريات في الدستور
حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب
الأديان السماوية، حق ينظمه القانون.
حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة،
أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
في ال‘لان العالمي لحقوق الإنسان
- لكل إنسان الحق في حرية التفكير والإعتقاد والديانة،
وهذا الحق يتضمن حرية تغيير الديانة والإعتقاد، كما يتضمن الحرية في الجهر بالديانة
أو الأعتقاد سواء بصفة فردية أو في جماعة، سواء أكان ذلك في السر أو في العلن وذلك
بواسطة التعليم ومزاولة الطقوس والشعائر والمراسم.
- لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير بما يتضمنه ذلك من الحق في ألا يزعج
بسبب آرائه، والحق في ان يستقصي ويتلقي وينشر - دون إعتبار للحدود - الأخبار والآراء
بأي وسيلة من وسائل التعبير.