الاثنين، 1 ديسمبر 2008

نجيب محفوظ والجمالية

اثري نجيب محفوظ المكتبات العربية والعالمية بأكثر من 47 عنوان بين رواية ومجموعة قصصية وكان ومازال اسمه احد العلامات الأدبية المميزة لمصر وكان تميزه بالمدرسة الواقعية نابعة من تأثره بالمكان الذي عاش حياته فيه وطفولته التي قضاها في الجمالية فاخرج إبداعاته من الثلاثية وخان الخليلي وملحمة الحرافيش وغيرهم من الكتابات التي ربطت اسمه بالجمالية وروائعه التي خلدت حواريها و أزقتها فقد ولد نجيب محفوظ في الجمالية يوم الاثنين 11 ديسمبر عام 1911 وتحديدا في منطقة بيت القاضي وكان حبه لحي الجمالية ليس له مثيل فقد ظل يحمل هذا الحب بين ضلوعه حتى لحظاته الأخيرة فكان يأخذه الشوق إليه فيطلب الانتقال إلي الحي فيمر من كوبري الأزهر ليري الحي في أواخر أيام حياته ويصف حبه للحي ( منذ مولدي في حي سيدنا الحسين وهذا المكان سكن وجداني عندما أسير فيه اشعر بنشوة غريبة جدا أشبه بنشوة العشاق كنت اشعر دائما بالحنين إليه لدرجة الألم والحقيقة إن الم الحنين لم يهدا إلا بالكتابة عن هذا الحي حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلي العباسية كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن اذهب لزيارة الحسين وفي فترة الأجازة الصيفية أيام المدرسة والتلمذة كنت اقضي السهرة مع أصحابي في الحسين ونقلت عدوي الحب لهذا الحي إلي أصدقائي فتحت أي ظرف لابد أن تكون السهرة في الحسين وحتى لو ذهبنا لسماع أم كلثوم وتأخرنا إلي منتصف الليل لا نعود إلي منازلنا إلا بعد جلسة طويلة في الفيشاوي نشرب الشاي والشيشة ونقضي وقتا في السمر والحديث )هكذا كان يصف نجيب محفوظ حبه للجمالية وعشقه المعدي إلي أصدقائه الذي تحول إلي معدي لقرائه في جميع أنحاء العالم فسري هذا العشق إلي كل زائر لها وأصبح جزء من كيانه و وجدانه لا يستطيع نسيان لياليها ولكن أين ولد نجيب محفوظ في الجمالية وأي بيت هذا الذي نبت فيه هذا المبدع يقول ( كل أخوتي ولدوا في بيت بدرب القزازين وأنا الوحيد بينهم الذي ولدت في بيت القاضي والمكانان في الجمالية وإذ لم تخني الذاكرة فقد كان عنوان بيتنا هو رقم 8 في ميدان بيت القاضي وكان مواجها لقسم الجمالية وكانت أبواب البيت مفتوحة علي الميدان أما نوافذه الجانبية فتطل علي درب قرمز وكنا نتبع مشيخة قرمز ) – من كتاب نجيب محفوظ صفحات من مذكراته لرجاء النقاش ويصف البيت الذي كان يقطنه في الجمالية ( كنا نسكن بيتا مستقلا أو بالمعني الدارج بيت من بابه ومن الممكن أن تطلق عليه بيت راسي بالمعني الحديث كل طابق كان يحتوي علي حجرة صغيرة وأخري كبيرة ثم أخيرا السطح حيث تجد غرفة صيفية كنا ننام فيها خلال أيام الحر كان البيت يتكامل إلي اعلي يعني في الطابق الأول غرفة الاستقبال وفي الطابق الثاني غرفة الطعام وهكذا ربما لصغر مساحة الأرض ) – نجيب محفوظ يتذكر لجمال الغيطاني ( وكان البيت يطل علي درب قرمز من ناحية وعلي ميدان بيت القاضي من ناحية أخري وكان مليئا بالأشجار كنت أمد يدي فامسك أوراق الشجر كان شجرا نسميه شجر ذقن الباشا ) (ميدان بيت القاضي المتربع بين الجمالية وخان جعفر والنحاسين والأشجار المثقلة بأعشاش العصافير وقسم الجمالية العتيق وحوض الماء القائم في الوسط تسقي منه البغال والحمير وكشك حنفية المياه العمومية )الناس الذي عايشهم نجيب محفوظ في طفولته بالجمالية (كانت الحارة في ذلك الوقت عالما غريبا حيث تتمثل فيه جميع طبقات الشعب المصري تجد مثلا ربعا يسكنه ناس بسطاء اذكر منهم عسكري بوليس موظف صغير في كبانية المياه امرأة فقيرة تسرح بفجل أو لب وزوجها ضرير لهم حجرة في الربع وأمام الربع مباشرة تجد بيتا صغيرا تسكنه امرأة من أوائل اللواتي تلقين التعليم وتوظفن ثم تجد بيوت أعيان كبار مثل بيت السكري بيت المهيلمي بيت السيسي وبيوت قديمة أصحابها تجار أو من أولئك الذين يعيشون علي الوقف كنت تجد اغني فئات المجتمع ثم الطبقة المتوسطة ثم الفقراء ) الجمالية في روايات نجيب محفوظبين القصرين – قصر الشوق – زقاق المدق – خان الخليلي - وغيرهمتناولت رواية بين القصريين معالم الحياة في بين القصريين والنحاسين وبيت القاضي ودرب قرمز والخرنفش والصنادقية وغيرها من مناطق القاهرة الفاطمية بالقرب من مسجد سيدنا الحسين بيت السيد احمد عبد الجواد في بين القصريين (كانت المشربية تقع أمام سبيل بين القصرين ويلتقي تحتها شارعا النحاسين الذي ينحدر إلي الجنوب وبين القصريين الذي يصعد ال الشمال) ( غادرت الام المشربية وتبعتها خديجة علي حين تلكأت عائشة حتي خلا لها الجو فانتقلت إلي جانب المشربية المطل علي بين القصرين ولم يطل الانتظار بها فقد مرق من عطفه الخرنفش ضابط بوليس شاب ومضي مقبلا في طريقه إلي الجمالية) (قطع طريق الحسين وهو يقرأ الفاتحة ثم انعطف إلي خان جعفر ومنها إلي بيت القاضي ولكنه بدلا من أن يمضي إلي البيت مخترقا النحاسيين عبر الميدان إلي درب قرمز علي وحشته وإثارته لمخاوفه ليتفادى المرور بدكان ابيه وخرج من القبو إلي الشطر الأخر من الدرب وعند نهايته طالعه سبيل بين القصرين ومدخل حمام السلطان ثم لاحت لعينيه مشربيات بيته بلونها الأخضر القاتم والباب الكبير بمطرقته البرونزية). زقاق المدقهو احد أزقة ومنعطفات الجمالية بالقرب من الصنادقية والرواية تحوي في الزقاق قهوة كرشة وصالون الحلو و وكالة سليم علوان والفرن وبائع البسبوسة (هناك شواهد كثيرة تنطق بأن زقاق المدق كان من تحف العهود الغابرة وانه تألق يوما في تاريخ القاهرة المعزية كالكوكب الدري أي قاهرة نعني ؟ الفاطمية ؟ المماليك ؟ السلاطين ؟ علم ذلك عند الله وعند علماء الآثار ولكنه علي أية حال أثر وأثر نفيس . كيف لا وطريقه المبلط بصفائح الحجارة ينحدر مباشرة الي الصنادقية تلك العاطفة التاريخية ؟ ) هكذا استهل نجيب محفوظ روايته زقاق المدق . قصر الشوق(ترأت لعينيه عطفة قصر الشوق فخفق قلبه بقوة حتي كاد يصم أذنيه ثم لاحت علي رأس منعطفها الأيمن سلال البرتقال والتفاح منضدة علي الطور أمام دكان الفاكهة

ليست هناك تعليقات: