الاثنين، 1 ديسمبر 2008

القاهرة الفاطمية

سار الجيش الفاطمي بقيادة جوهر الصقلي في مدينة الفسطاط بعد الاستيلاء عليها من بقايا الاخشيدين وهو يحمل لواء النصر حتى حط الرحال في السهل الرملي الواقع إلي الشمال من الفسطاط وهو سهل يحده من الشرق جبل المقطم ومن الغرب خليج أمير المؤمنين وكان السهل خاليا من البناء إلا قليلا مثل بقايا بستان كافور الإخشيدي وحصن صغير يسمي قصر الشوك ودير مسيحي يعرف بدير العظام وفي هذا السهل اختط جوهر في ليلة وصوله رابعة مدن مصر الإسلامية التي قرر تأسيسها لتكون مدينة ملكية حصينة للخليفة وأتباعه كما اختط القصر الفاطمي الذي أعده ليستقبل مولاه المعز لدين الله وحينما أتت وفود أعيان الفسطاط في صباح اليوم التالي لتهنئته بالفتح وسلامة الوصول وجدوا أن مواضع أسس البناء الجديد كانت قد حفرت وبني جوهر سورا خارجيا من اللبن علي هيئة مربع طول كل ضلع من أضلاعه حوالي 1200 متر أدرك المقريزي في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي جزءا منه فيما بين باب البرقية ودرب بطوط خلف السور الحالي الذي بناه فيما بعد صلاح الدين الأيوبي وابدي دهشته من كبر حجم الطوب المستخدم في البناء إذ بلغ طول الواحدة منه قدر ذراع في ثلثي ذراع كما أشار أن هذا السور كان من السمك بحيث يستطيع ان يمر فوقه فارسان جنبا إلي جنب ونظرا لان الأعمال الإنشائية قد تمت في ليلة وصول الجيش الفاطمي فان جوهر الصقلي قد لاحظ في صباح اليوم التالي إن جدران السور و القصر جاءت غير معتدلة فلم تعجبه ومع ذلك فقد تركها علي حالها واستمر في تشييد البنيان حتى أكمله وكان كل ضلع من أضلاعه يواجه احدي الجهات الأصلية إلي حد كبير فقد كان الضلع الشرقي في محاذاة جبل المقطم والضلع الغربي في محاذاة الخليج والضلع الجنوبي في مواجهة مدينة الفسطاط والضلع الشمالي في مواجهة السهل الرملي وقد ضم هذا السور جميع المنشات الداخلية بالقاهرة فبدت المدينة كأنها حصن عظيم يدور حوله سور سميك وقد أختلف المؤرخون في الغرض الذي أقيم من أجله فمنهم من قال إن جوهرا قصد باختطاط القاهرة أن تصير حصنا فيما بين القرامطة وبين مدينة مصر ليقاتلهم دونها فأدار السور علي مكانه الذي نزل فيه عساكره وأنشأ داخل السور جامعا وقصرا واعتبرها معقلا يتحصن به وتنزله عساكره وحفر الخندق من الجهة الشمالية ليمنع اقتحام عساكر القرامطة إلي القاهرة وما وراءها من المدينة .. ويري آخرون إن في هذا السور هدفا ارستقراطيا يختلف عن هدف التحصين ليكون من داخل السور بمعزل عن العامة ومن الممكن أن يكون قصد الهدفين معا بمعني انه حصن المدينة تحصينا كافيا وأعاق عامة الشعب في الفسطاط والعسكر والقطائع من الوصول إلي القاهرة فقد كان محظورا علي أي فرد اجتياز أسوار القاهرة إلا إذا كان من جند الحامية الفاطمية أو من كبار موظفي الدولة كما كان الدخول إليها وفقا لتصريح خاص عن طريق الأبواب الثمانية التي فتحها جوهر في السور وهي : اثنان في السور الشمالي هما باب الفتوح وفي شرقه باب النصر و باب بعقدين في السور الجنوبي يطلق عليه باب زويله افتتح إلي الغرب منه باب أخر سمي باب الفرج أما بابا الضلع الشرقي للسور فهما باب البرقية ويعرف باسم باب التوفيق والباب الثاني هو باب القراطين ويعرف باسم الباب المحروق وسمي بالحروق لما حرقه المماليك الهاربين بعد مقتل الأمير أقطاي حيث تركوا منازلهم في أثناء الليل وتقدموا نحو هذا الباب فوجدوه مغلقا فأوقدوا النار فيه حتى سقط من الحريق وخرجوا منه وفي الضلع الغربي كان هناك بابان باب القنطرة بناه جوهر بعد سنتين من بناء السور وأقام أمامه قنطره فوق الخليج ليمشي عليها إلي المقس ليدافع عن القاهرة ضد القرامطة والأخر باب سعادة الذي عرف بهذا الاسم تيمنا باسم سعادة بن حيان غلام الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ويجمع الباحثون الذين تناولوا موضوع تأسيس مدينة القاهرة علي صحة القصة المتواترة في المصادر بصدد اعتماد جوهر القائد علي المنجمين عند بناء السور إذ أصدر إليهم الأوامر باختيار طالع سعيد لتأسيس أسوار القاهرة وأبوابها وقصورها وعندما حفرت الخنادق لبناء أسس الجدران ثبتت فيها قوائم ربطت بحبال علقت عليها أجراس حتى إذا حانت الساعة المحددة أرسل المنجمون الإشارة الخاصة بالبدء في العمل وأمر العمال بان يقفوا علي تمام الأهبة لإلقاء مواد البناء في الخنادق المعدة لذلك عندما تدق الأجراس ولكن قبل ان تحين اللحظة المقررة وقع غراب علي الحبال المشدودة فدقت الأجراس فظن العمال ان المنجمين أعطوا إشارة البدء في العمل فالقوا الأحجار ومواد البناء في الخنادق المحفورة بينما كان كوكب المريخ في الطالع وكان يطلق عليه قاهر الفلك فسميت القاهرة . ومع هذا هناك من يشكك في هذه الرواية لمشابهتها لرواية بناء الاسكندر للإسكندرية وإنها مجرد خرافةفمدينة القاهرة عرفت في أول الأمر باسم المنصورية تيمنا باسم المنصورية التي أنشاها المنصور بالله ثالث الخلفاء الفاطميين خارج مدينة القيروان بشمال إفريقيا ولم تعرف بالقاهرة إلا بعد أربع سنوات بعد أن حضر الخليفة المعز إلي مصر ورأي من قرأته الخاصة للطالع أن هذه التسمية فال حسن إذ رأي أن اسم القاهرة مشتق من القهر والظفر فأطلق عليها اسم القاهرة وهناك البعض يقول إن موقع القاهرة لم يرق في نظر الخليفة لأنها بغير ساحل وانه وجه اللوم إلي جوهر قائلا فاتك عمارة القاهرة علي الساحل عند المقس فهلا كنت بنيتها علي الجرف . أي منطقة الرصد في جهة مصر القديمة لان هذه المنطقة كانت تشرف علي النيل وبركة الحبش وجمعت بين السهل والجبل وبين الخضرة والماء والسور الذي بناه جوهر لم يعمر أكثر من ثمانين عام إذ كان قد تهدم في عصر الخليفة المستنصر بالله فأستبدل به بدر الجمالي وزير الخليفة المستنصر سورا أخر بناه ثلاثة من الأخوة أحضرهم من مدينة الرها في شمال العراق بأرض أرمينية وذلك بعد أن وسع رقعة القاهرة بمقدار 150 مترا شمال السور القديم وحوالي ثلاثين مترا إلي الشرق ومثلها إلي الجنوب وقد تم تشييد هذا السور موازيا للأسوار القديمة من الحجر المنحوت المصقول السطح المثبت في مداميك منتظمة ليكون أوفي بأغراض الدفاع عن القاهرة وقد بقي من هذا السور ثلاث أبواب مهمة هي باب النصر وباب الفتوح شمالا وباب زويلة جنوبا وأقدمها جميعا باب النصر المعروف بباب العز الذي شيد بين برجين مربعين نقش علي أحجارهما رسوم تمثل بعض آلات القتال من دروع وسيوف ويعلو الباب فتحات أعدت لكي تصب منها المواد الحارقة علي العدو المهاجم ولكل برج سلم يوصل إلي دوريين آخرين فوق الدور الأرضي المصمت وبالدور الأوسط حجرات تسقفها قباب ضحلة شيدت من أحجار منحوتة ويتوج باب النصر شريط به نقش كتابي بالخط الكوفي يسجل لنا تاريخ إنشاء هذا الباب والسور ويعلو المدخل عقد مستقيم من صنج معشقة في شكل زخرفي وقد أقيم باب الفتوح المعروف بباب الإقبال في العام نفسه ولكنه يختلف تخطيطه عن باب النصر فبرجيه مقوسا القاعدة وقد حليت جوانبهما بعقدين مغلقين تحت حجارتهما علي هيئة وسائد حجرية صغيرة متلاصقة ويتوج مدخله مجموعة من العقود زينت بأشكال متنوعة من أزهار ونجوم وفصوص شبيهة بالعمارة المغربية في تونس كما أن ممر البوابة تعلوه قبة ضحلة مشيدة من الحجر فوق مثلثات كروية علي حين سقفت أبراج الدور الأوسط بقبوات متعارضة أما باب زويلة فقد تم تشيده مع السور الجنوبي للقاهرة وكان يتقدمه ذلاقة كبيرة تغير بعض مظاهرها في زمن السلطان الكامل الأيوبي وبرجي باب زويلة مقوسي القاعدة ويشبهان برجي باب الفتوح لكنهما أكثر استدارة وممر الباب يعوه أيضا قبة ضحلة ترتكز علي مثلثات كروية وان كانت اغلب زخارف واجهته قد اختفت تماما .وفي قلب هذه المدينة نمت بذور العمارة الفاطمية حيث وضع جوهر القائد أساس السور المحيط بالقاهرة والقصر الكبير الذي أعده لنزول الخليفة المعز وقد تلاشي هذا القصر عقب سقوط الدولة الفاطمية ولم يبق لنا منه سوي الوصف الذي جاء في الكتب التاريخية حيث تصفه بان كان له تسعة أبواب ويشغل مساحة تقرب من سبعين فدان من 340 فدان تشغلهم القاهرة حينئذ وانه كان يتألف من خطط وأحياء تخترقها الطرقات والمسالك التي تفضي إلي أجزائه المختلفة فوق الأرض أو في داخل السراديب المارة تحت الأرض وكانت تضيئه الرحبات الكبيرة غير المسقوفة أو الأفنية الصغيرة وكانت بعض السراديب مظلمةوكان بالقاهرة قصر أخر إلي الغرب من هذا القصر عرف بالقصر الغربي شيده الخليفة العزيز بالله وكان له عدة أبواب أهمها باب السباط وباب التبانين وباب الزمرد وكان يتصل بالقصر الكبير الشرقي بواسطة سرداب تحت الأرض كان ينزل منه الخليفة ممتطيا ظهر بغلته تحيط به فتيات القصر وقد تم بناء هذا القصر في زمن الخليفة المستنصر وكان يشتمل عدة أماكن منها قاعة كبيرة سكنتها ست الملك أخت الخليفة الحاكم بأمر الله والتي أقيم عليها فيما بعد بيمارستان المنصور قلاوون وكان أمام القصر الكبير الشرقي وفيما بينه وبين القصر الغربي ميدان فسيح كانت تقام فيه حفلات عرض الجيش حيث يقف فيه عشرة آلاف بين فارس و مرتجل واشتهر فيما بعد باسم بين القصرين كما كان هناك ميدان آخر بجوار القصر الغربي يجاور البستان الكافوري المطل علي الخليج والي جانب هذه القصور التي عرفت باسم القصور الزاهرة احتوت القاهرة علي مجموعة أخري من المباني منها دار الضيافة ودار الضرب سك النقود والمنظرة بالجامع الأزهر والمنظرة بجوار الجامع الأقمر ودار الحكمة والتربة المعزية التي عرفت بتربة الزعفران وغيرها

هناك 3 تعليقات:

أسما عواد يقول...

شكرا على هذا البوست الجميل انا من عشاق القاهرة الفاطمية
وشكرا لزيارتك لمدونتي
مودة دائمة

saadebaid يقول...

شكرا علي اهتمامك انا ايضا من عشاق القاهرة الفاطمية لاني انتمي اليها واسكن فيها

غير معرف يقول...

نعم هي القاهرة التي بناها
سيدنا المعز لدين الله
)والذي قال شاعره( ابن هاني رحمه الله
شق الزمان لنا عن نور غرته
عن دولة ما بها وهن ولا سقط
حتى تسلط منه في الورى ملك
زينت بدولته الاملاك والسلط